نعيم قاسم على رأس حزب الله: تحديات جسيمة في أحلك الظروف Bookmark article
لطالما كان الظن أن نعيم قاسم هو النائب الذي لن ينوب عن الأصيل يوماً. لكن الظروف حكمت. اليوم، نائب الأمين العام لحزب الله، بات هو الأمين العام الرابع للحزب منذ تأسيسه عام 1982. وهو يتولى المنصب في أحلك وأصعب ظروف يمر بها الحزب.
فالرجل الذي كان يسهل نسبياً التواصل معه مباشرة والتقى به عدد كبير من الصحافيين وأحيا العديد من المناسبات العلنية والجماهرية، تحوّل إلى شخصية تعيش في الخفاء، وتتولى قيادة الحزب بعد قتل إسرائيل الكثير من قيادييه الأساسيين، رفاق درب نعيم قاسم، أبناء الرعيل الأول.
يُعتبر نعيم قاسم اليوم من بين المستهدفين الأساسيين في الحزب الذين قد تقتلهم إسرائيل في أي لحظة. وقد سارع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت لنشر صورة نعيم قاسم، بعد ساعات على تعيينه أميناً عاماً لحزب االله مرفقة بعبارة: "تعيين مؤقت. لن يطول".
بين نصر الله وقاسم
إلا أن التحدي الأساسي أمام الشيخ نعيم قاسم اليوم لا يتعلق بالحفاظ على حياته، بقدر ما هو الحفاظ على الحزب. وتلك مهمة هائلة.
فإلى جانب الظروف الصعبة للغاية التي تحيط بالحزب حالياً، سيبقى نعيم قاسم قبل كل شيء، خليفة حسن نصر الله. وبالتالي سيبقى محكوماً بتقييم ينطلق من مقارنة بينه وبين سلفه الذي يفوقه دون أي جدال، هيبةً وكاريزما وقدرةً على الإقناع وبث الثقة في صفوف المناصرين.
فهو أستاذ الكيمياء، صاحب الكتابات الثقافية والدينية، الذي لا يملك بصمة شعبية فريدة، ويأتي في زمن الانكسارات والضربات المتتالية في الحزب، ينوب عن شخصية شكلت ظاهرة فريدة وتحوّلت إلى أيقونة في مسار الحزب وارتبطت بانتصارات تاريخية.
https://www.youtube.com/watch?v=RxB_2WboIzc
لكن امتحان الجاذبية لن يكون بأهمية امتحان القيادة. فنعيم قاسم هو اليوم قائد حرب وقائد حزب. هو معنيّ برسم خارطة المعارك وتطوّرها ومساراتها، ولكنه في الوقت ذاته، مسؤول عن إعادة ترتيب صفوف الحزب؛ تنظيم قيادات جديدة فيه ينتمي معظمها لجيل الشباب. والأهم أن على عاتقه لمّ شمل ما يُسمّى ب"بيئة الحزب" وشدّ عصب جمهور بات مشتتاً ومشرداً وقلقاً من فقدان "ظهره" في الداخل.
وبالتالي لا تقتصر مهامه على التعامل مع حرب إسرائيلية طاحنة ضد الحزب، وتمتين القاعدة الشعبية، بل تشمل أيضاً التعاطي مع مفاعيل ما يحدث على وضع الحزب الداخلي في لبنان في ظل حديث سياسي متزايد عن انعكاس ما يحدث اليوم على التوازنات السياسية الداخلية.
لكن في النهاية، لن تقع هذه التحديات الجسيمة على عاتق نعيم قاسم وحده.
"يحكم أمين عام حزب الله من خلال مشاورات مع مجلس شورى الحزب"، بحسب الأستاذ في جامعة ستيرليغ في اسكتلندا، ومؤلف كتاب "حزب الله وسياسة التذكير"، يقول الدكتور بشير سعادة.
"أعطت شخصية نصر الله انطباعاً بأنه هو الذي يحكم الحزب، ولكن هذا غير صحيح بالكامل. فصناعة القرار لدى حزب الله تعود لمجلس الشورى والقيادات"، يضيف سعادة الذي يلفت إلى أن حزب الله تنظيم وليس مرتبطاً بشخص بعينه.
لكن اليوم الكلمة الأساس هي لساحة المعركة ولقياداتها. وقد يكون تأثير المعارك ونتائجها على شخصية نعيم قاسم كأمين عام للحزب، أكبر من تأثيره هو على التطورات والسياسات.
وفي النهاية ستكون كل الأمور محكومة بما يحدث على الأرض وبالطريقة التي تنتهي فيها الحرب مع إسرائيل.
توقيت الانتخاب
في الوقت الحالي قد يكون أهم المتطلبات من الأمين العام هو إظهار الحزب كتنظيم متماسك رغم كل الضربات. ومن هنا توقيت الإعلان عن انتخاب نعيم قاسم في ظل المعارك الدائرة، بعد أن سادت توقعات بأن هذا الانتخاب سيؤجل إلى ما بعد انتهاء الحرب.
إلا أن ضرورات المرحلة تقتضي الإسراع في هذا الموضوع ووجود شخصية تتحدث باسم الحزب وتحدّد توجهاته العامة.
فبحسب الشيخ صادق النابلسي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية والمقرب من حزب الله، "إن انتخاب الشيخ قاسم يأتي في إطار الرد على الاغتيالات الكبيرة التي طالت القادة البارزين في الحزب بأن الحزب لم يُمس جوهره، ولم تضعف فاعليته".
ويضيف: "إن حزب الله بهذا الانتخاب السريع يؤكد لجمهوره والعالم أن بنيته التنظيمية صلبة".
فعلياً هذا هو أيضاً ما ستقرره المرحلة المقبلة، انطلاقاً مرةً جديدةً من نتائج الحرب الدائرة.
لا يُعرف مكان نعيم قاسم حالياً، وما إذا كان متواجداً أصلاً في لبنان. ولا يُعرف أيضاً إذا ما كان توليه لهذا المنصب مؤقتاً من أجل تطويق مفاعيل النكبة التي حلّت بالحزب، أم أنه انتخاب دائم بهدف انتشال حزب الله من كبوته على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
بكل الأحوال لا يُتوقع أن يكون هناك أي تمايز واضح أو تغيير جوهري في صورة ونهج الحزب في المرحلة الحالية وفي قلب معركة توصف بالوجودية.
يبقى أن نعيم قاسم هو صاحب الكتاب الوحيد الذي كُتب عن حزب الله من قبل شخصية في داخل الحزب وهو كتاب "حزب الله المنهج - التجربة - المستقبل".
كان ذلك عام 2002. اليوم وبعد انقلابات القدر، بات الكاتب هو الشخصية الأبرز في الحزب، في مرحلة مصيرية ومفصلية لمنهج وتجربة ومستقبل حزب الله.