لماذا لا تستطيع قطر كوسيط إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس؟ Bookmark article
قالت الحكومة القطرية إنها علّقت جهودها على صعيد إبرام اتفاق سلام بين إسرائيل وحماس، لانتفاء الرغبة في التفاوض من جانب الطرفين على حد سواء.
وأفادت تقارير بأن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً على قطر من أجل إغلاق مكتب حماس لديها.
ولطالما حرصت قطر، الدولة الغنية صغيرة المساحة، على الاضطلاع بدور "صانع السلام" في الشرق الأوسط، لكنها تواجه صعوبة الآن في الوساطة من أجل التوصل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
كيف أصبحت قطر وسيطا رئيسيا في منطقة الشرق الأوسط؟
https://www.youtube.com/watch?v=Yet9VZZGsb8
تقع قطر في منطقة الخليج، على مساحة تناهز 11,600 كيلومتر مربع فقط، لكنها تصدّر كميات ضخمة من الغاز الطبيعي، كما يحلّ نصيب الفرد من الدخل في قطر في المرتبة السادسة على قائمة الترتيب العالمي.
واختارت قطر لنفسها دَور وسيط للسلام. وعلى مدى العقدين الماضيين اضطلعت الدولة الخليجية صغيرة المساحة بالعديد من الوساطات لإبرام اتفاقات لوقف إطلاق النار واتفاقيات سلام بين أطراف متنازعة في الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا.
في نوفمبر/تشرين ثاني 2023، استضافت قطر مفاوضات بين إسرائيل وحماس من أجل وقف مؤقت لإطلاق النار، وجرت مبادلة 105 من الرهائن الإسرائيليين بـ 240 معتقلاً فلسطينياً.
وفي 2020، توسطت قطر في اتفاق سلام بين حركة طالبان الأفغانية والولايات المتحدة، مسدلةً بذلك الستار على حرب استمرت نحو 20 عاماً في أفغانستان. وانتهى المطاف في هذا الصدد بسحب كل من الولايات المتحدة وحلفائها قواتهم من أفغانستان حيث استعادت طالبان السلطة في البلاد.
وفي 2023، اضطلعت قطر بدور الوسيط في صفقة لتبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران.
وفي العام نفسه، توسّطت قطر في محادثات بين روسيا وأوكرانيا، لاستعادة أطفال أوكرانيين كانوا قد نُقلوا من بلادهم إلى روسيا إبان الصراع المحتدم بين الدولتين.
وفي 2022، أبرمت قطر اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين حكومة تشاد و40 جماعة معارضة.
وفي 2010، أشرفت قطر على اتفاق سلام بين حكومة السودان وجماعات مسلحة في إقليم دارفور غربي البلاد.
لماذا اختارت قطر دور صانع السلام؟
تنصّ المادة السابعة في الدستور القطري على أن "السياسة الخارجية القطرية قائمة على مبدأ تعزيز الأمن والسلم الدوليَين من خلال التشجيع على فضّ المنازعات بالطرق السلمية".
وتعدّ قطر حليفاً مقرباً للولايات المتحدة، كما تستضيف على أرضها آلاف الجنود الأمريكيين في قاعدة العُديد العسكرية.
لكن قطر في المقابل، تسمح لجماعات "متطرفة" مثل طالبان وحماس باتخاذ مكاتب على أرضها.
وهكذا يمكن لقطر أن تلعب دور الوسيط بين ممثّلين سياسيين لم يكونوا ليتحدثوا بشكل مباشر مع بعضهم البعض، بحسب إتش أيه هيلير، زميل المعهد الملكي للخدمات المتحدة المعروف اختصاراً باسم "روسي".
يقول هيلير: "قطر في موقع يؤهلها للتواصل مع جماعات كـطالبان وحماس، لأنها لم تكن أبداً في صراع معها، وبسبب وجود القاعدة العسكرية الأمريكية في قطر فإنّ ممثلي هذه الجماعات يشعرون بالأمان في الدوحة، يشعرون أن بإمكانهم التفاوض بحريّة وفي مأمن من محاولات الاغتيال".
صنم وكيل، زميلة معهد تشاتام هاوس في لندن، تقول: "جانبٌ من صورة الدولة في قطر أن تُرى كمتفاوض عمليّ يحل المشكلات".
وتضيف وكيل: "الاضطلاع بدور وسيط السلام يجعل من قطر دولة مفيدة للولايات المتحدة، ويجعلها على تواصل مع الغرب. كما أنّ ذلك يساهم في جعل المنطقة من حولها أكثر أمانا واستقرارا".
ولدى قطر فريق من الدبلوماسيين الذين تلقوا تدريبات رفيعة في الإشراف على محادثات السلام، بحسب الباحثة صنم وكيل.
ومع ذلك لم يكن النجاح حليفاً دائماً للوسطاء القطريين في كل مساعيهم الرامية لإقناع الأطراف المتصارعة لإبرام صفقات سلام أو اتفاقات دائمة لوقف إطلاق النار، وفقاً للباحثة.
وخلصت صنم وكيل إلى القول إن "القطريين جيدون للغاية في الإشراف على إنهاء الصراعات التي تكون دائرة العنف فيها قد اكتملت وحين يكون طرفا الصراع قد أظهرا بالفعل مَيلاً إلى السلام .. وبدون هذين الشرطين، لا يمكن للقطريين إنهاء أي صراع".
لماذا تجد قطر صعوبة في إبرام اتفاق سلام بين القوات الإسرائيلية وحماس؟
صحيحٌ أن الخارجية القطرية أعلنت تعليق جهودها على صعيد الوساطة من أجل التوصل لاتفاق سلام بين إسرائيل وحماس، لكنها نفتْ ما أفادت به تقارير من اعتزامها إغلاق مكتب حماس في الدوحة.
هذا النفي القطري دفع الحكومة الإسرائيلية إلى توجيه سَيل من الانتقادات لقطر، قائلة إن الأخيرة تُحابي حماس و"ترعى جماعة إرهابية".
لكن الباحث إتش أيه هيلير، يقول إن "الحكومة القطرية دعت قادة حماس إلى نقل مكتبهم إليها من دمشق بعد أن وقع خلاف بين الحركة الفلسطينية والحكومة السورية في عام 2012، وإنّ الخطوة القطرية جاءت بالتنسيق مع الولايات المتحدة وربما كذلك مع إسرائيل".
ونوّه هيلير إلى أن قطر ساعدت كلا من إسرائيل وحماس مرّات عديدة في التوصل لوقف إطلاق النار في صراعات سابقة، "لكن ذلك تمّ لأن الطرفين كانا يرغبان في العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل احتدام الصراع في كل مرة".
"لكنْ في هذه المرّة الوضع مختلف؛ حيث ترغب الحكومة الإسرائيلية في ضمان أمنها أكثر مما ترغب في السلام. واستمرار الحرب سيساعدها في تحقيق هذا الهدف. أما حماس، فترغب في السلام من أجل الاستمرار في الوجود"، بحسب الباحث هيلير.
وأثيرت تكهنات بأن حماس قد تغادر قطر وتنقل مكتبها إلى تركيا أو إيران، لكن الباحث هيلير يرى أن قطر هي المكان الأكثر أماناً لقادة حماس، في حال كان بمقدورهم الاستمرار في قطر.
وفي ذلك يقول هيلير: "عندما غادر إسماعيل هنية الدوحة وذهب إلى إيران، سُرعان ما طالته يدُ إسرائيل"، على حدّ تعبيره.