الصناعات والحرف الفنية بين التقليد والتحديث
م. د. عماد الحسين (*)
بادئ ذي بدء أنا لم أستعمل بالعنوان مصطلح " صناعات تقليدية " كما هو شائع ببلادنا بل استعملت تعبير " صناعات فنية " لأن كلمة تقليد فيها جمود وإماتة للإبداع الفني والتطور الطبيعي. ثم سأستهل بطرح السؤال المحوري لهذ المقال وهو هل يجب علينا المحافظة على الصناعات التقليدية؟ أم تطويرها حسب متطلبات العصر الحديث؟ وللإجابة سأقدم بعض إشكاليات لنماذج من الصناعات التقليدية الحالية والتي تقلصت دائرتها الاقتصادية وصارت بمثابة التراث أو الفلكلور.
بادئ ذي بدء أنا لم أستعمل بالعنوان مصطلح " صناعات تقليدية " كما هو شائع ببلادنا بل استعملت تعبير " صناعات فنية " لأن كلمة تقليد فيها جمود وإماتة للإبداع الفني والتطور الطبيعي. ثم سأستهل بطرح السؤال المحوري لهذ المقال وهو هل يجب علينا المحافظة على الصناعات التقليدية؟ أم تطويرها حسب متطلبات العصر الحديث؟ وللإجابة سأقدم بعض إشكاليات لنماذج من الصناعات التقليدية الحالية والتي تقلصت دائرتها الاقتصادية وصارت بمثابة التراث أو الفلكلور.
أول مثال هو فخار سجنان الذي سجل ضمن التراث الثقافي العالمي غير المادي لليونسكو وإني لأعجب كل العجب من هاته المقاربة التي نهجتها بعض الأطراف في هذا الملف وكأن أقدم تقنية عرفتها البشرية لصناعة الخزف بالقولبة اليدوية
تعد موجودة إلا في التراث السجناني التونسي! لم(colombin ou boudin) وأسلوب الحبال
ثاني مثال هو صناعة النحاس بتقنية التطريق التي تعد أقدم صناعة معدنية عرفتها البشرية لم تزل تمارس بنفس الأساليب البدائية منذ العصور الغابرة وحتى تقنية طلاء النحاس الأحمر بالمينا الشفافة لمنع أكسدته وكربنته (carbonatation) وبالتالي الحفاظ عل خصائصه الجمالية والوظيفية لم تدخل هاته الصناعة التقليدية بل مازال النحاس يطلى بالقصدير... أضف إلى ذلك أن سعر الكيلوغرام من مادة النحاس الأحمر يضاهي كيلوغرامان من الفولاذ المقاوم للصدأ (inox ou stainless) و أن أسلوب التطريق البدائي غير قادر على منافسة الأساليب الحديثة مثل القولبة (matriçage)و الدمغ (estampage) لأن تقنية التطريق تتطلب بعض الساعات من العمل مقابل بعض الثواني لتقنيات القولبة و الدمغ.
ثالث مثال هو صناعة السجاد التقليدي بطريقة العقد التي تنتج زربية متوسطة الجودة لسماكة الخيوط وعدم مساوات الشد اليدوي وضعف عدد العقد بالمتر المربع, وثقيلة الوزن (نظرا لسمك وطول الخيط) وصعبة التنظيف (نظرا لطول الخيط) وباهظة الثمن لأن المتر المربع يتطلب حوالي أسبوع عمل مقابل زهاء بعض دقائق للسجاد الآلي وبالتالي أصبح الأسلوب التقليدي غير قادر على منافسة الأساليب الحديثة لصناعة السجاد الآلي حتى للتسويق للنزل السياحية ذات القدرات المالية العالية.
وهاته الإشكاليات المذكورة آنفا تعبر عن الوضع الصعب الذي يتخبط فيه قطاع الصناعات التقليدية إذ هو يمثل 11% من السكان الناشطين بينما لا يساهم إلا بنسبة 4% في الناتج الوطني الخام و2.5% في الصادرات.
وكحل عملي لتطوير بعض أسواق الصناعات التقليدية قد قمت في الماضي باقتراح رؤية أو خارطة طريق على هياكل الإشراف لهاذ القطاع المهم من الاقتصاد بمنهجية العمل التشاركي صلب مجامع أو أسواق وقدمت لذلك مثال لصناعة المصوغ التي يمكن تقسيم سلسلتها الإنتاجية أو خط التصنيع (chaine de fabrication) بين الدكاكين المختلفة لسوق الصاغة حيث يختص بعض الدكاكين في تذويب و محص و تعديل معيار الذهب و تحويله إلى مواد أولية مهيأة للتصنيع (سبائك, صفائح, أسلاك...) و يختص بعض الدكاكين في صب الذهب بطريقة الضغط الآلي (die casting) و يختص بعض الدكاكين في تركيب الفصوص (sertissage) و يختص بعض الدكاكين في صقل المنتوج النهائي إلخ... و هذا التقسيم يشبه السلسة الإنتاجية في المصانع الكبرى التي لا يستطيع الحرفي الواحد مجاراتها لا فنيا و لا تقنيا و لا ماليا و يمكن لأمين الصناعة أن يقوم بدور يشبه مدير المصنع كما يمكن لبعض هياكل الدولة مثل ديوان الصناعات الفنية أن تتدخل في الإشراف و التأطير و التدريب و التكوين الفني و التقني و التطوير و التمويل. وتطبيق هاته المنهجية التحديثية يمكن من تطوير وفتح آفاق جديدة لبعض أسواق الصناعات الفنية الأخرى مثل النحاس-و-الفولاذ والخزف والزجاج والحياكة والنسيج والجلود والأحذية...
* ، أستاذ المواد والتقنيات
بالمعهد العالي للفنون والحرف بالقيروان.
(imed.houcine@isamk.u-kairouan.tn)
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 290887